كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما تمّ تعنتهم وكان لسان الحال طالبًا من الله تعالى الجواب عنه أمر الله تعالى بجوابهم بقوله تعالى: {قل} أي: لهؤلاء البعداء والأشقياء: {سبحان ربي} أي: تعجبًا من اقتراحاتهم وتنزيهًا لله من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة. وقرأ ابن كثير وابن عامر بصيغة الماضي والباقون قل بصيغة الأمر و{هل كنت إلا بشرًا} لا يقدر على غير ما يقدر عليه البشر {رسولًا} كما كان من قبلي من الرسل وكانوا لا يؤتون قومهم إلا بما يظهره الله تعالى على أيديهم بما يلائم حال قومهم ولم يكن أمر الآيات إليهم ولا لهم أن يتحكموا على الله حتى يتخيروها.
هذا هو الجواب المجمل، وأمّا التفصيلي فقد ذكر في آيات أخر كقوله تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم} [الأنعام] {ولو فتحنا عليهم بابًا} [الحجر] ونحو ذلك. ولما أمر بما تضمن أنه كإخوانه من الرسل في كونه بشرًا أتبعه قوله عطفًا على فأبى أو وقالوا:
{وما منع الناس} أي: قريشًا ومن قال بقولهم لما لهم من الاضطراب {أن يؤمنوا} أي: لم يبق لهم مانع من الإيمان والجملة مفعول منع {إذ جاءهم الهدى} أي: الدليل القاطع على الإيمان وهو القرآن وغيره من الأدلة. وقرأ أبو عمرو وهشام بإدغام ذال إذ عند الجيم والباقون بالإظهار وأمال الألف بعد الجيم حمزة وابن ذكوان محضة وإذا وقف حمزة على جاءهم سهل الهمزة مع المدّ والقصر. {إلا أن قالوا} فاعل منع أن قالوا، أي: منكرين عليه غاية الإنكار متعجبين متهكمين {أبعث الله بشرًا رسولًا} لأنّ الكفار كانوا يقولون: لن نؤمن لك لأنك بشر، ولو بعث الله تعالى رسولًا إلى الخلق لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة فأجابهم الله تعالى بقوله: {قل} أي: لهؤلاء المطرودين عن الرحمة {لو كان في الأرض ملائكة يمشون} عليها كالآدميين {مطمئنين} أي: مستوطنين فيها كالبشر {لنزلنا عليهم} مرّة بعد مرّة كما فعلنا في تنزيل جبريل عليه السلام على الأنبياء من البشر وحقق الأمر بقوله تعالى: {من السماء ملكًا رسولًا} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد لتمكنهم من التلقي منه لمشاكلتهم له بخلاف البشر كما هو مقتضى الحكمة لأنّ رسول كل جنس ينبغي أن يكون منهم إذ الشيء عن شكله أفهم وبه آنس وإليه أحنّ وله آلف إلا من فضله الله تعالى بتغلب روحه على نفسه، وبتغلب عقله على شهوته فأقدره بذلك على التلقي من الملك كالمرسلين ثم أجابهم الله تعالى جوابًا آخر بقوله عز وجلّ:
{قل كفى بالله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا. وأمال الألف حمزة والكسائي محضة وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح {شهيدًا بيني وبينكم} على أني رسوله إليكم ليظهر المعجزات على وفق دعواهم وإني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم عاندتم ومن يشهد الله على صدقه فهو صادق فعند ذلك قول القائل بأنّ الرسول يجب أن يكون ملكًا لا إنسانًا تحكم فاسد لا يلتفت إليه. تنبيه: شهيدًا نصب على الحال أو التمييز، ثم إنه تعالى ذكر ما هو كالتهديد والوعيد بقوله تعالى: {إنه كان بعباده خبيرًا بصيرًا} يعلم ظواهرهم وبواطنهم، ويعلم من قلوبهم أنهم لا ينكرون هذا إلا لمحض الحسد وحب الرياسة والاستنكاف من الانقياد للحق. ولما تقدّم أنه تعالى أعلم بالمهتدي والضال عطف عليه قوله تعالى: {ومن يهد الله} بأن يخلق الهداية في قلبه {فهو المهتدى} لا يمكن أحد غيره أن يضله. تنبيه: أثبت نافع وأبو عمرو الياء بعد الدال مع الوصل دون الوقف وحذفها الباقون وقفًا ووصلًا. {ومن يضلل فلن تجد لهم} أي: الضالين {أولياء} يهدونهم {من دونه} ولا ينفعونهم بشيء أراد الله تعالى غيره. ولما كان يوم القيامة يظهر الله فيه لكل أحد ما كان يعمله نبه على ذلك بقوله تعالى: {ونحشرهم} بنون العظمة، أي: نجمعهم بكره {يوم القيامة} الذي هو محط الحكمة {على وجوههم} مسحوبين عليها إهانة لهم فيها كما لم يذلوها بالسجود لنا. قال تعالى: {يوم يسحبون في النار على وجوههم} [القمر] أي: يمشون عليها. روى أبو هريرة قيل: يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال: «إنّ الذي يمشيهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم». قال حكماء الإسلام: إنّ الكفار أرواحهم شديدة التعلق بالدنيا ولذاتها وليس لها تعلق بعالم الأنوار وحضرة الإله سبحانه وتعالى، فلما كانت وجوه قلوبهم وأرواحهم متوجهة إلى الدنيا لا جرم كان حشرهم على وجوههم، وأمّا قوله تعالى: {عميًا وبكمًا وصمًا} فقد استشكله شخص على ابن عباس فقال: أليس قد قال الله تعالى: {ورأى المجرمون النار} [الكهف] وقال تعالى: {سمعوا لها تغيظًا وزفيرًا} [الفرقان]، وقال تعالى: {دعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان] وقال تعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} [النحل] وقال تعالى حكاية عن الكفار: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام] فثبت بهذه الآيات أنهم يرون ويسمعون ويتكلمون فكيف قال تعالى هنا: {عميًا وبكمًا وصمًا} ؟ أجاب ابن عباس وتلامذته عنه من وجوه الأوّل: قال ابن عباس عميًا لا يرون شيئًا يسرّهم صمًا لا يسمعون شيئًا يسرّهم بكما لا ينطقون بحجة الثاني قال في رواية عطاء عميًا عن النظر، أي: عما جعله الله تعالى لأوليائه وبكمًا عن مخاطبة الله تعالى ومخاطبة الملائكة المقرّبين صمًا عن ثناء الله تعالى عليهم. الثالث: قال مقاتل: إنه حين يقال لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون يصيرون عميًا بكمًا صمًا، أمّا قبل ذلك فهم يرون ويسمعون وينطقون. الرابع: أنهم يكونون رائين سامعين ناطقين في الموقف ولولا ذلك لما قدروا أن يطالعوا كتبهم ولا أن يسمعوا لإلزام حجة الله تعالى عليهم إلا أنهم إذا أخذوا يذهبون من الموقف إلى النار جعلهم الله تعالى عميًا بكمًا صمًا. قال الرازي: والجواب الأول أولى لأنّ الآيات السابقة تدل على أنهم في النار يبصرون ويسمعون ويصيحون. ثم بيّن تعالى مكانهم بقوله عز وجلّ: {مأواهم جهنم} تسعر عليهم {كلما خبت} أي: أخذ لهبها في السكون عند أكلها لحومهم وجلودهم {زدناهم سعيرًا} توقد بإعادة الجلود واللحوم ملتهبة مسعرة كانهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم الله تعالى بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء. وقرأ نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر بإظهار تاء التأنيث عند الزاي وأدغمها الباقون. ثم بين علة تعذيبهم ليرجع منهم من قضى بسعادته بقوله تعالى: {ذلك} أي: العذاب العظيم {جزاؤهم بأنهم} أي: أهل الضلالة {كفروا بآياتنا} القرآنية وغيرها وكانوا كل يوم يزدادون كفرًا وهم عازمون على الدوام على ذلك ما بقوا {وقالوا} إنكارًا لقدرتنا {أئذا كنا عظامًا ورفاتًا} ممزقين في الأرض ثم كرّروا الإنكار كأنهم على ثقة من أمرهم هذا الذي بطلانه أوضح من الشمس بقولهم {أئنا لمبعوثون خلقًا جديدًا} فنحن نريهم جزاء على هذا الإنكار المكرّر الخلق الجديد في جلودهم ولحومهم مكرّرًا كل لحظة، قال تعالى: {كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب} [النساء] ثم أتبعه بقاطع في بيان جهلهم بقوله تعالى: {أو لم يروا} أي: يعلموا بعيون بصائرهم على ما هو كالرؤية بعيون أبصارهم لما قام عليه من الدلائل بصحته من الشواهد الجلائل {أنّ الله الذي خلق السموات} جمعها لما دل على ذلك من الحسن، ولما لم تكن الأرض مثل ذلك أفردها مريدًا الجنس الصالح للجميع بقوله تعالى: {والأرض} على كبر أجرامها وعظم أحكامها، وقوله تعالى: {قادر على أن يخلق مثلهم} فيه قولان الأوّل: المعنى قادر على أن يخلقهم ثانيًا، فعبر عن خلقهم ثانيًا بلفظة المثل كما يقوله المتكلمون أنّ الإعادة مثل الابتداء. الثاني: أنّ المراد قادر على أن يخلق عبيدًا آخرين يوحدونه ويقرّون بكمال حكمته وقدرته ويتركون ذكر هذه الشبهات الفاسدة وعلى هذا فهو كقوله تعالى: {ويأت بخلق جديد} [إبراهيم] وقوله تعالى: {ويستبدل قومًا غيركم} [التوبة].
قال الواحدي: والقول هو الأوّل لأنه أشبه بما قبله، ولما بيّن الله تعالى بالدليل المذكور أنّ البعث والقيام أمر ممكن الوجود في نفسه أردفه ببيان أن لوقوعه في الوجود وقتًا معلومًا عند الله وهو قوله تعالى: {وجعل لهم أجلًا لا ريب} أي: لا شك {فيه} وهو الموت أو القيامة {فأبى الظالمون إلا كفورًا} أي: بعد هذه الدلائل الظاهرة أبوا إلا الكفر والجحود. ولما قال الكفار: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} فطلبوا إجراء الأنهار والعيون في بلدتهم لتكثر أموالهم ويتسع عيشهم، بيّن تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله لبقوا على بخلهم وشحهم بقوله تعالى: {قل} أي: لهؤلاء المتعنتين {لو أنتم} أي: دون غيركم {تملكون خزائن} عبر بصيغة منتهى الجموع لأنّ المقام جدير بالمبالغة {رحمة ربي} أي: خزائن رزقه وسائر نعمه وذلك غير متناه. {إذًا لأمسكتم} أي: لوقع منكم الإمساك عن الإنفاق في بعض الوجوه التي تحتاجونها {خشية} أي: مخافة عاقبة {الإنفاق} أي: الموصل إلى الفقر فكان المعنى أنكم لو ملكتم من الخير والنعم خزائن لا نهاية لها لبقيتم على الشح والدناءة وهذا مبالغة عظيمة في وصفهم بهذا الشح. وقول البيضاويّ تبعًا للزمخشريّ: أنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده. قال الزمخشريّ: تقديره لو تملكون جرى فيه على مذهب الكوفيين من أن لو يليها الفعل مضمرًا كما يليها ظاهرًا والبصريون يمنعون إيلاء لها مضمرًا إلا في شذوذ كقول حاتم لو ذات سوار لطمتني، وأصل هذا المثل أنّ امرأة عطلاء من الحلي والهيئة لطمت حاتمًا على نحر الناقة وقالت له بقسوة إنما أردناك بفصدها والفصد عندهم أن يقطع عرق من عروق ثم يجمع دمها فيشوى وقيل أصله أنّ المرأة المذكوة لطمت رجلًا فقال: لو ذات سوار لطمتني لاحتملتها فصار مثلًا يضرب لكريم يلطمه الدني، ثم استدل على صحة هذا المفروض بالشاهد من مضمون قولهم {وكان} أي: جبلة وطبعًا {الإنسان} أي: الذي من شأنه الأنس بنفسه فهو لذلك لا يعقل الأمور حق عقلها {قتورًا} أي: بخيلًا. تنبيه: فتح الياء في ربي نافع وأبو عمرو، وسكنها الباقون وهم على مراتبهم في المدّ. فإن قيل: قد يوجد في جنس الإنسان من هو جواد كريم؟
أجيب: من وجوه الأوّل: أن الأصل في الإنسان البخل لأنه خلق محتاجًا والمحتاج لابد وأن يحبس ما به يدفع الحاجة وأن يمسكه لنفسه إلا أنه قد يجود به لأسباب من خارج فثبت أن الأصل في الإنسان البخل. الثاني: أنّ الإنسان إنما يبذل لطلب الثناء والحمد وليخرج عن عهدة الواجب فهو في الحقيقة ما أنفق إلا ليأخذ العوض فهو في الحقيقة بخيل. الثالث: أنّ المراد بهذا الإنسان المعهود السابق وهم الذين قالوا: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا}. ولما قدم سبحانه وتعالى أن أكثر الناس جحدوا الآيات لكونه تعالى حكم بضلالهم ومن حكم بضلاله لا يمكن هداه شرع يسلي نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بما أتفق لمن قبله من الأنبياء بقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} أي: واضحات، واختلف في هذه الآيات فقال ابن عباس والضحاك هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلها وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. وقال مجاهد وعطاء: هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد والسنون ونقص من الثمرات. وقال البقاعي: وهي كما في التوراة: العصا ثم الدم ثم الضفادع ثم القمل ثم موت البهائم ثم البرد الكبار التي أنزلها الله تعالى مع النار المضطرمة فكانت تهلك كل ما مرّت عليه من نبات وحيوان ثم الجراد ثم الظلمة ثم موت الأبكار من الآدميين وجميع الحيوان ثم قال: وقد نظمتها ليهون حفظها فقلت:
عصا قمل موت البهائم ظلمة ** جراد دم ثم الضفادع والبرد

وموت بكور الآدميّ وغيره ** من الحيّ آتاه الذي عز وانفرد

قال: وكأنه عدّ اليد مع العصا آية، ولم تفرد اليد لأنه ليس فيها ضرر عليهم اهـ. وقال البيضاويّ: هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل وذكر محمد بن كعب القرظي الطمس والبحر بدل السنين ونقص من الثمرات. وقال: كان الرجل منهم مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين والمرأة منهم قائمة تخبز وقد صارت حجرًا. وقال بعضهم: هي آيات الكتاب وهي أحكام يدل عليها. ما روي عن صفوان: أن يهوديًا قال لصاحبه: تعال نسأل هذا النبيّ فقال الآخر: لا تقل نبيّ، فإنه لو سمع صارت له أربعة أعين فأتياه فسألاه عن هذه الآية: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} فقال: «لا تشركوا بالله شيئًا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تسحروا ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقلته ولا تسرفوا ولا تقذفوا المحصنة ولا تفروا من الزخف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبلوا يده» وقالوا: نشهد أنك نبيّ. قال: فما منعكم أن تتبعوني؟ قالوا: إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبيّ وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود.
وقال الرازيّ: علم أنه تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى عليه السلام، أحدها: أنه تعالى أزال العقدة من لسانه، قيل في التفسير ذهب أعجم وجاء فصيحًا. ثانيها: انقلاب العصا حية. ثالثها: تلقف الحية حبالهم وعصيهم مع كثرتها. رابعها: اليد البيضاء. وخمسة أخرى وهي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعاشر شق البحر وهو قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر} [البقرة].
والحادي عشر: الحجر، وهو قوله تعالى: {أن اضرب بعصاك الحجر} [الأعراف].
والثاني عشر: إظلال الجبل، وهو قوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة}. [الأعراف]
والثالث عشر: إنزال المنّ والسلوى عليه وعلى قومه. والرابع عشر والخامس عشر: قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات} [الأعراف].
والسادس عشر: الطمس على أموالهم حجارة من النخل والدقيق والأطعمة والدراهم والدنانير. روي أنّ عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب عن قوله تعالى: {تسع آيات بينات}.
فذكر محمد بن كعب في جملة التسع حل عقدة اللسان والطمس. فقال عمر بن عبد العزيز: هكذا يجب أن يكون الفقيه ثم قال: يا غلام أخرج ذلك الجراب فأخرجه فنفضه فإذا بيض مكسور نصفين وجوز مكسور وفوم وعدس وحمص كلها حجارة، وقوله تعالى: {فاسأل}، أي: يا أعظم خلقنا {بني إسرائيل} يجوز أن يكون الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد غيره. وقرأ ابن كثير والكسائيّ بفتح السين ولا همزة بعدها، والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها ويجوز أن يكون الخطاب له خاصة وأمره بالسؤال لهم ليتبين له كذبهم مع قومهم، أي: فاسأل بني إسرائيل عامّة الذين نبهوا قريشًا على السؤال عن الروح كما في بعض الروايات، وعن أهل الكهف وذي القرنين وعن حديث موسى عليه السلام والمؤمنين منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه {إذ}، أي: عن ذلك حين {جاءهم}، أي: جاء آباءهم فوقع له من التكذيب بعد إظهار المعجزات الباهرات ما وقع لك {فقال}، أي: فذهب إلى فرعون فأمره بإرسالهم معه فأبى فأظهر له الآيات واحدة بعد أخرى فتسبب عن ذلك صدق ما يقتضيه الحال وهو أن قال: {له فرعون} عتوًّا واستكبارًا {إني لآظنك يا موسى مسحورًا}، أي: مخدوعًا مغلوبًا على عقلك فكل ما ينشأ عنك فهو من آثار السحر وهذا كما قالت قريش للنبيّ صلى الله عليه وسلم {إن تتبعون إلا رجلًا مسحورًا}. [الإسراء]